تقرير "زواج القاصرات" : قصص ومآسي وموت الطفولة

صورة أرشيفية صورة أرشيفية

ظاهرة جواز القاصرات اصبحت خطر يهدد المجتمع ، واصبحت ظاهرة تقتل برائة الطفولة ، وتقتل ضمير وقلب الفتاة وعقلها ، مصر اصبحت قبلة للخليجين لزواج القاصرات ، ومع انتشار ظاهرة الفقر اصبحت الفتاة هى الكنز للأسرة يبيعونها لمن يدفع اكثر ، لذلك  يبيع الأب والأم ابنتهما القاصر التى لا تعرف معنى للزواج أو تستطيع تحمل مسئولية منزل، لذا انتشر زواج القاصرات بشكل كبير فى معظم محافظات مصر، خاصة فى القرى والأقاليم في السنوات الأخيرة، رغم خطورة الظاهرة علي الفتيات الصغيرات صحياً ونفسياً واجتماعياً.

ويبرر بعض الآباء تزويج بناتهم لكبار السن سواء أثرياء عرباً أو حتى مصريين بأن الفقر هو العنصر الأساسى فى هذه الظاهرة، وهذه الزيجات أشبه بتجارة الرقيق حيث يبيع الأب ابنته لمن يدفع أكثر وفى بعض الأحيان تباع أكثر من مرة بعد أن يشبع «العريس المسن الثرى» رغبته الجنسية من العروس الطفلة ويعطى والدها «اللى فيه النصيب» لكن الأب لا يشبع من الأموال فيقوم بتزويجها لآخر ويتم هذا النوع من «الزواج» بمساعدة سماسرة يكونون على صلة بالأثرياء الخليجيين الباحثين عن المتعة وأسر فقيرة لديها بنات صغيرات والذين يحصلون على مقابل من العريس يحدد على حسب جمال وسن العروسة التى هى فى كل الحالات ضحية ولضمان حقوق ابنته عند الطلاق التى لم تتجاوز السن القانونية يحصل الأب على ورقة «وصل أمانة» مكتوب فيها مبلغ من المال.

كما أن الفتيات القاصرات اللائي يتزوجن بصورة مؤقتة، يقعن ضحايا للاستغلال الجنسي والعمل القسري كخادمات لـ «أزواجهن»، رغم أن القانون المصري يحظر الزواج من الأجانب إذا كان فارق السن يزيد علي 10 سنوات، إلا أن هناك طرقا للتحايل على القانون أكثرها شيوعاً اللجوء إلى تزوير شهادات الميلاد، حيث يتم تزويد عمر الفتيات للالتفاف علي القانون.

ويرى المحللون أن أهم العوامل التى تؤدى إلى انتشار ظاهرة زواج القاصرات هى  الفقر والجهل وعدم الوعى الدينى، والأخطر من ذلك ما كان يناقش فى بعض جلسات مجلس الشعب المنحل من الإخوان والسلفيين، والذين كانوا ينادون بجواز زواج البنت فى سن التاسعة.

وتم رصد  معاناة الفتيات القاصرات والأمهات والعواقب الناتجة عن زواج الصغيرات سواء من النواحي الصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية.

فى البداية تقابلنا مع «أميرة سعد» ذات الـ 15 عاماً من محافظة الغربية التى تحدثت معنا بعينين تجسدان الحزن بكل معانيه، قائلة: رغم صغر سنى فإننى تزوجت أربع مرات من رجال يكبروننى فى السن بكثير، وتصمت «أميرة» التى ضاعت ملامح الطفولة من وجهها بسبب ما تعرضت له فى زيجاتها.. وتتابع: أول مرة تزوجت من رجل سعودى كان صديق والدى فى نفس سنه أو يكبره قليلاً، رفضت فى البداية إلا أن أبى أجبرنى على الزواج منه ولأن والدتى متوفية فلم أجد أحداً بجوارى، ولا من يدافع عنى ويقول لأبى إننى مازلت طفلة، فقد كان عمرى وقتها 13 عاماً ولكن أبى لم يبال بذلك، وقال لى: إن العريس غنى وهيجبلك كل اللى إنتى عايزاه وهيفسحك وياخدك معاه فى كل مكان.. ورغم رفضى فى البداية إلا أننى وافقت وفرحت بالهدايا والفساتين ولعب الأطفال اللى اشترها لى العريس.

وتواصل «أميرة»: وعلشان أنا سنى صغيرة قام أبى بعمل شهادة تسنين حتى يتمكنوا من عقد القران وتزوجت هذا الشيخ الكبير وذهبنا إلى أحد فنادق المدينة وتركنى أبى وإخوتى معه بمفردى وقتها شعرت بالخوف ورحت أجرى ناحية الباب وأنادى على والدى وإخوتى، إلا إن أحداً لم يرد على، واستمر هذا الزواج حوالى شهرين وأعادنى إلى أبى ودفع له المؤخر الذى اتفقا عليه وهو 20 ألف جنيه وطلقنى، وبعد أقل من أربعة أشهر جاء أحد المحامين إلى والدى وعرض عليه أن يزوجنى إلى أحد المشايخ من دولة الكويت على أن يدفع لى مهر 30 ألف جنيه، ومؤخر 20 ألف جنيه، ووافق أبى للمرة الثانية، ورغم أننا ميسورو الحال إلا أننى لا أعرف لماذا كان أبى يبيعنى لهؤلاء الرجال الكبار فى السن، وتزوجت الرجل الذى يكبرنى بـ 50 عاماً، ولم يستمر هذا الزواج أكثر من أسبوعين لأننى «قرفت» منه ومن نفسى وكنت أهرب كل يوم وأذهب إلى بيت أبى ويعيدنى أبى إليه مرة أخرى حتى شعر بالزهق منى فطلقنى، وطبعاً دفع «المعلوم».

وتكمل «أميرة» تفاصيل قصتها مع أزواجها وقد بددت الهموم معالم البراءة من علي ضفاف وجهها، وتقول: بعد طلاقى من الشيخ الكويتى بأسبوع زوجنى أبى لشيخ آخر لمدة خمسة أيام مقابل 20 ألف جنيه، ثم تزوجت من ضابط مصرى كان يكبرنى بحوالى 40 عاماً كان بخيلاً جداً، وعانيت معه الأمرين إلى أن هربت منه بعد ثلاثة أشهر وذهبت إلى أحد أقاربى خوفاً من أن يزوجنى أبى لآخر فقد كرهت الزواج والرجال جميعاً حتى أبى ولا أريد أن أتزوج مرة أخرى.. وتختتم «أميرة» كلامها: أنا هاشتغل وأصرف على نفسى ومش عايزه حاجة من حد ومش عايزه أتجوز تانى.


«هند. م» فقالت: زوجنى أبى وعمرى 16 عاماً من سعودى يكبرنى بـ 20 عاماً رفضت بشدة، إلا أنه كان يضربنى لأوافق على الزواج منه وأصبت بحالة نفسية جعلتنى كلما أرى زوجى أغيب عن الوعى، ومرت الأيام والشهور التى لا أعرف عددها وطلبت منه الطلاق، فرفض وكلما كنت أهرب منه وأذهب إلى بيت أبى يعيدنى أبى إليه بعد «علقة سخنة»، فلم يكن أمامي إلا القبول بالأمر الواقع وأنجبت منه ولداً وبعد أن وضعت ابنى أخذنى وسافرت معه إلى السعودية وهناك كانت الكارثة التى لم يخبرنى بها من قبل فقد كان زوجى متزوجاً من ثلاث نساء سعوديات غيرى ولديه خمسة ابناء منهن.

وتصمت «هند» للحظات وتأخذ نفساً عميقاً ثم تتابع كنت أنا أصغرهن سناً وكنت أعمل فى البيت كأنى خادمة اشتراها الثرى لزوجاته من مصر، وكلما كنت أشكو من التعب والشغل الكثير الملقى على عاتقى يقولون لى: «إنتى لسة صغيرة اشتغلى واتعلمى»، وكلما كنت أطلب منه العودة إلى بيت أبى أو حتى زيارته يرفض ويتحجج بأن عمله لا يسمح بالإجازات، وكلما جئت إلى بيت أبى أرجوه أن يطلقنى منه، إلا أنه يرفض ويقول: «هو انتى محتاجة إيه أكتر من كدة عايشة مستريحة وكل اللى بتطلبيه بتلاقيه عايزه إيه تانى؟»، وكأن الحياة «فلوس وبس» والآن أعيش معه ومع زوجاته فقط لأربى ابنى.

وبعينين يملؤهما الحزن، قالت سهام صابر: الله يخرب بيت الفقر هو اللى عامل فينا كده وخلى الأهل يبيعوا أولادهم بأرخص سعر علشان الفلوس.. أنا عندى خمس إخوات وأبى رجل فقير على قد حاله يعمل فلاحاً باليومية وأنا أكبر إخوتى 16 عاماً كنت أرغب فى استكمال تعليمى إلا أن أبى زوجنى إلى رجل أكبر منى بـ 35 عاماً لأنه غنى وهيدفع له «فلوس كتير» يستطيع أن يربى بها إخوتى.

وتستطرد «سهام»: كان الرجل يريد من هذا الزواج أن أنجب له ولداً ليرث أمواله لأن زوجتيه لم تنجبا إلا بنات ولكن الله لم يرد لى الإنجاب فقد تكرر إجهاضي فى الشهور الأولى وبررت لى الطبيبة بأن السبب هو صغر سنى وأن جسدى لا يقوى على تحمل الإنجاب فلم يتحمل زوجى ذلك وطلقنى وعدت مرة أخرى إلى بيت أبى.

ويرى الدكتور أحمد يحيى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة السويس، أن بعض الأسر تلجأ إلى التضحية بأبنائها من خلال ما يعرف بزواج القاصرات نتيجة عدة عوامل منها، كما يوجد فى الثقافة المصرية بأن الزواج سترة للأنثى ومنها حالة الفقر المادى الذى تعيشه الأسرة، حيث تستفيد من مهرها أو توفير احتياجاتها ومنها نوع أو شكل من المتاجرة من أجل مزيد من الأموال.

ويضيف «يحيي»: ويرتبط ذلك كله بعاملين أساسيين هما الفقر والجهل، وللأسف توجد عصابات للسمسرة فى بعض القرى للمتاجرة بهؤلاء القاصرات، خاصة لكبار السن وراغبى المتعة من الأثرياء العرب أو المصريين وغالباً فإن هذه الزيجات لا تنجح ويترتب عليها العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية.

وتابع أستاذ علم الاجتماع السياسى: عشت حالة زواج قاصرات بنفسى فقد كان هناك أحد الآباء يتفق مع ابنته على الزواج من ثرى لمدة لا تتجاوز العام ثم تعمل جاهدة على الطلاق منه لتتزوج من آخر وكأنها نوع من المتاجرة بالجسد، وهذا يعد شكلاً من أشكال الرقيق فى شكل حضارى، وللأسف يسهم فى تنفيذ ذلك عدة جهات، أولاها من يقوم بتسنين البنت بسن غير سنها الحقيقية ثم يليه المأذون الذى عقد القران، وثالثتهما الأهل والأقارب والجيران الذين يعلمون هذه الخطيئة، والأخطر من هذا كله ما صدر عن فتاوى الإخوان والسلفيين، وما سمعناه فى مجلس الشعب المنحل والتى كانت تنادى بجواز زواج البنت فى سن التاسعة وإذا كان لهذا الأمر تلك الثقافة الدينية المنحرفة، فلا نلوم الجهلاء من المواطنين ولكن نلوم هؤلاء الذين يسيئون استخدام الدين ويستغلونه أسوأ استغلال.

وأردف: إن كان ذلك مقبولاً فى بعض الدول الخليجية أو فى القبائل العربية فإنه لا يجوز إطلاقاً فى المناطق الحضرية ونحن فى القرن الواحد والعشرين ولكى نقضى على تلك الظاهرة لابد أن نبدأ برجال الدين فهم عنصر الفساد او الإصلاح لتغيير القيم والثقافة المرتبطة بهذا الموضوع.

وأشار «يحيى» إلى أن بعض الآباء يقومون بتزويج بناتهن لأكثر من شخص فى وقت واحد لأن الزوج يتزوج ابنته ويقضى معها عدة أيام ويتركها ويعود إلى بلده فيقوم الأب بتزويجها من آخر لحين عودة الزوج الأول من سفره، وهكذا.. وهذا واقع ولا يعنى إنكارنا له أنه غير موجود ولا يقتصر تزويج القاصرات على المسلمين فقط بل يوجد أيضاً بين الأسر المسيحية وهذا نوع من تجارة الرقيق الأبيض، بالإضافة إلى أنه فى عهد الوزيرة آمال عثمان، كان الأثرياء العرب يقومون بأخذ الأطفال من دور الأيتام فى سن السابعة من الجنسين ويدفعون الأموال الطائلة إلى هذه الدور ويقومون باصطحابهم إلى بلادهم على أنه تبنٍ.

وتابع: إن وسائل الإعلام عليها دور فعال فى القضاء على تلك الظاهرة أو انتشارها وأن تقدم نماذج درامية وإعلامية تسهم إلى حد كبير فيما يعرف بالتعبئة  الاجتماعية الثقافية للمواطنين، إضافة إلى ذلك القانون فعلى رجال القانون أن يلاحقوا كل من يقوم بهذه الأفعال، وأخيراً المدرسة فلابد من استغلال المدرسة فى توضيح هذه الأمور للطالبات وتعليمهن أخطار هذا الزواج، فإذا أراد هذا المجتمع أن يتقدم فعليه أن يلقى بثقافته القديمة وأن يبتكر ثقافة جديدة تتناسب مع معطيات العصر مبنية على مجمل القيم والأخلاقيات الدينية الصحيحة دون صراعات ثقافية ودون تأويلات وتفسيرات دينية تؤدى إلى خلل فى المجتمع، فهناك ردة ثقافية وحضارية نحو الماضى.

قرية ميت الديبة

وأضاف محمد حسن ناشط : إن هناك قرية تدعى «ميت الديبة » تابعة لمحافظة كفر الشيخ  معظم البنات فى تلك القرية يتزوجن فى سن مبكرة جداً من شباب أيضاً لم يتجاوز السن القانونية للزواج ويتم تزويجهم بعقود عرفية ويتم توثيق العقد عندما يصلوا للسن القانونية للزواج.
وتابع  هؤلاء الأطفال الذين يتم تزويجهم وهم لا يعرفون شيئاً عن الزواج ومسئولياته تواجههم الكثير من المشكلات، بالإضافة إلى أنهم ينجبون أطفالاً مشوهين بسبب السن المبكرة للأب والأم، فلابد من مواجهة تلك الظاهرة وتوجيه حملات للتوعية من مخاطر هذا الزواج سواء فى المساجد أو من الإعلام والجمعيات الأهلية ويكون هناك تحرك من معظم قوى المجتمع للحد من تلك الظاهرة والحفاظ على أبنائنا.

ظاهرة عنف

وترى الدكتورة ابتهال أحمد رشاد، مستشار التنمية البشرية وحقوق الإنسان وقضايا المرأة، أن ظاهرة زواج القاصرات هى ظاهرة عنف ضد المرأة وإذا لم يوجد وعى عند الناس بحقوق المرأة ويتم التعديل فى القوانين سيبقى الوضع كما هو عليه.

وتابعت: رغم أن القوانين موجودة ومعمول بها فى المجتمع والأحكام صادرة ضد العديد من القضايا، إلا أنه ينقصها التنفيذ وكل ذلك بسبب عدم الوعى بتلك القضايا المهمة، كما أنه لابد من رفع وعى الأسرة التى تبيع بناتها من أجل حفنة من الأموال ولابد أن يعرفوا أن ما يحدث إنما هو عنف ضد الأبناء.

وأشارت «رشاد» إلي أن القضايا من هذا النوع كثيرة جداً ولكن للأسف لا يتم البت والحكم فيها لأن القاضى غير مؤمن بحقوق المرأة ومازال المجتمع يرجع ذلك إلى التدين وطالما أن التخلف موجود لا يوجد وعى أسرى أو وعى بحقوق المرأة.

وأردفت مستشار قضايا المرأة: قمنا بعمل دراسة حول نسبة البنات القاصرات اللائي تم تزويجهن فى منطقة إمبابة، فوجدنا أنها وصلت إلى 13% وهذه النسبة كبيرة جداً وهذه فى منطقة واحدة، فما بالنا بالمناطق الأخرى فى المحافظات والأقاليم، كما أن الأبحاث والدراسات إلى الآن لم تتوصل إلى أرقام بعينها تحدد نسبة زواج القاصرات.

وشددت «ابتهال» على أنه يجب على المجتمع المدنى أن يعمل على رفع الوعى النسائى ورفع وعى القاصرات مع تدنى المستوى التعليمى، بالإضافة إلى عمل برامج للتأهيل لأن معظم الحالات التى يتم تزويجهن تكون نسبة الطلاق مرتفعة جداً، ناهيك عن المشكلات النفسية والصحية التى تلحق بالفتيات من جراء هذه الزواج

تعليقات الفيس بووك

موضوعات متعلقة